بحث

05/07/2014

قصف غزة: الفرق بين محمد أبو خضير وتمثال بوذا





تماثيل بوذا في باميان، هما تمثالان أثريان منحوتان على منحدرات وادي باميان في منطقة هزاراجات أو هزاراستان في وسط أفغانستان،ويعود تاريخ بنائها إلى القرن السادس قبل الميلاد. لكن حركة طالبان التي تمكنت من السيطرة على جل مناطق أفغانستان، وقضت على جزء كبير من الحرب الطائفية بين الفصائل التي شاركت في التصدي للمد السـوفييتي، وأجهزت على تجارة المخدارات في مدن وأقاليم أفغانستان، قامت في إطار مخططها الرامي إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بتدمير التمثالين في شهر مارس عام 2001م. 
وقد قامت طالبان أنذاك باستعمال كمية كبيرة من الديناميت، كان يمكن استثمارها في حفر عدة آبار يستفيد منها الشعب الأفغاني في مناطقه نائية. لكن طالبان كانت لديها على ما يبدو أولـوية في بناء دولتها على مرجعية إسلامية صلبة، ولا تريد أن يعبد شيء آخر في آراضيها من دون الله.  
   
   تمثال بوذا في باميان بعد التفجير
   تمثال بوذا في باميان قبل التفجير

        تماثيل بوذا بعد تفجيرها                                                                 تمثال بوذا في باميان قبل التفجير      


وكانت ردة فعل العالم الغربي المتحضر إزاء هذا التصرف الطالباني المتخلف، عميقة، إذ تألم شديد التألم بكل شرائحه الرسمية وغير الرسمية، وتجيشت مشاعره من أجل هاتين القطعتين الحجريتين، وشجب عقالاؤه واستنكروا، وقالـوا بصـوت واحد: "من ينتقم لأصنامنا ويتأثر لنا من طالبان؟"
لم تترد الـولايات المتحدة حاملة لـواء الحرية في المبادرة والتطوع لهذه المهمة إثر هجمات 11 سبتمر 2001 "الإرهابية" التي اعتبرها بعض المصابين بمرض نظرية المؤامرة، مؤامرة داخلية دبرتها المخابرات الأمريكية لتبرير الثأر لاصنام بـوذا المهدمة. 
فأعلن رئيسها آنذاك جـورج بـوش الإبن أمام العالم أجمع أنه سيقـود "حربا صليبية مقدسة ضد الإرهاب (الإسلام)" لم تلبث زبانية حلف الأطلسي التسعة عشر أن ثمنتها و أكدت أنها ستساهم في نجاحها بكل ما أوتيت من قـوة.فكانت الجـولة الأولى لهذه الحرب الطويلة على أرض أفغانستان، قامت فيها الـولايات المتحدة بحركات تسخينية استعراضية وإرهابية في آن واحد، حيث  أنها - على عكس حركة طالبان التي استعملت بعض الكيلـوغرامات من الديناميت لهدم القطعتين الحجريتين - قامت باستخدام أحدث ما تتـوفر عليه من أسلحة ومعدات حربية، برية وبحرية وجـوية لمـواجهة أفراد حركة طالبان شبه العزل، والذين كانت أسلحتهم لا تتجاوز الكلاشنكـوفات، قذائف الهاون وبعض المتفجرات التقليدية. فكان الخطاب الـوحيد خلف هذا الإستعراض الفرعـوني العظيم مـوجها بالأساس إلى باقي دول العالم، ومفاده: "إتقـون يا أولي الأبصار".
وقد بلغت تكلفة هذه الحرب المقدسة ما يزيد عن 4 ترليـون دولار (4000 مليار دولار)، و هـو مبلغ لا يكفي فقط لحفر الآبار في كل شبر من أفغانستان ، بل سيمكن من النهـوض بكل دول القارة الإفريقية جنـوب الصحراء على كل المستـويات التنمـوية الإقتصادية والإجتماعية في غضـون بضع سنين. 

                            حرب أمريكا ضد أفغانستان

 للتدبر: بعد الإدعاء الإنتهاء من استئصال حركة طالبان وتنصيب حكـومة مدنية متحضرة في أفغانسان، لم تنفق أمريكا ولـو سنتا واحدا في وضع البنية التحتية اللازمة لتنمية حقيقية في هذا البلد، بل كانت نفقاتها البخسة متـوجهة للتأمين العسكري للحكـومة، وبناء دور السينما !!


في عام 2008، وفي 4 نـوفمبر بالتحديد، قامت إسرائيل بخرق لاتفاقية التهدئة التي تمت بينها وبين حركة المقاومة حماس برعاية مصرية، وذلك بتنفيذ غارة على قطاع غزة نتج عنها قتل ستة أعضاء مسلحين من حماس. فما كان من حماس إلا أن ردت بالمثل من خلال إرسال صـواريخ هاون باتجاه جنـوب إسرائيل لم تسفر عن أي قتيل. 
وعلى غرار الـولايات المتحدة، قامت إسرائيل باتخاذ هذا الرد ذريعة لشن حربها المقدسة ضد الإرهاب  ( دفاع شعب مقاوم عن أراضيه المستباحة)، فشرعت في عملية الهجوم على غزة معلنة أن حربها على شعب شبه أعزل، وقصفها لبيـوت  المدنيين في غزة قد تستغرق وقتاً، ولن تتوقف حتى تحقق أهدافها.
كان اليوم الأول من الهجوم اليوم الأكثر دموية من حيث عدد الضحايا الفلسطينيين في يوم واحد منذ عام 1948،إذ تسبب القصف الجوي الإسرائيلي في مقتل أكثر من 200 قتيل وجرح أكثر من 700 آخرين. وأسفرت هذه العملية عن أصابة 4336 شخص ، واستشهاد  1449 من المدنيين:  من بينهم 412 طفلاً و111 امرأة. 
لم تهتز المشاعر الحساسة للغرب المتحضر هذه المرة لمـوت الأطفال والنساء، ولا لاستعمال إسرائيل لطائرات ال F16 ضد المدنيين العزل، ناهيك عن استعمالها لأسلحة محرمة دولياً، ولم تشجب الجهات الرسمية لبلدان الغرب الهجـوم الـوحشي للمستعمر الصهيـوني، ولم تنتفض منظمة هيومن رايتس ووتش التي تعنى بالشؤون الحقوقية، ولا حتى منظمات الرفق بالحيـوان الدولية - التي تتقطع أوشاجها من أجل حيـوان الباندا المـوشك على الإنقراض - من أجل ما حدث لشعب غزة، ولم تتحرك آليات الأمم المتحدة التي تفرض في اتفاقياتها الدولية قـوانين تمنع على الدول استهداف المدنيين. الكل لاذ بالصمت واكتفى بالمشاهدة*



ضحايا الهجوم على غزةضحايا الهجوم على غزة ضحايا الهجوم على غزة








للتدبر: بدأت عملية الهجـوم على غزة في اليـوم الذي تمت فيه الإنتخابات الرئاسية الأمريكيةـ والتي أسفرت عن فـوز باراك أوباما. ودامت تلك العملية الـوقت الكافي لنفل السلطة من الرئيس جـورج بـوش الإبن إلى باراك أوباما في هدوء تام وصمت مطبق. حيث تمكنت إسرائيل من تمـويه العالم، خصـوصا الشعب الأمريكي، إذ وجهت تركيز العالم بأسره، بما في ذلك الإعلام الغربي، إلى هجـومها الدمـوي على الفلسطينيين، معطية الفرصة ليتم تمرير السلطة من الرئيس جـورج بـوش الإبن الذي أفرغ صناديق الخزينة الأمريكية وتلاعب بمشاعر الأمريكيين وقتل مئات الألاف من الأبرياء في أفغانستان والعراق، وكان سببا في مقتل الآلاف من الجنـود الأمريكيين...دون أن يتعرض لأية محاسبة وفي غياب أية ضجة إعلامية.



ومع بداية شهر رمضان 1435،سئمت إسرائيل الهدنة مجددا، وبدأ طيرانها شن سلسلة غارات على قطاع غزة، دون أن تخاف في ذلك لـومة لائم. 
وفي غضـون هذه الغارات، قام مستوطنون يهوديون  باختطاف الطفل محمد أبو خضير من منطقة المحطة في شعفاط، وقاموا باقتايده الى مكان مجهول حيث قاموا بحرقه وتعذيبه وقتله بالرصاص الحيّ وإلقائه بأحد الأحراش القريبة من القدس.

                               الطفل محمد أبو خضير

اكتفت بعض المنظمات الحقوقية الغربية بالشجب، ولم تُتخذ أية إجراءات لمعاقبة الجناة، ولم يتم تداول فكرة  فرض عقوبات دولية على إسرائيل، ولم يتم إرسال جنود القبعات الزرق للحفاظ على السلم والأمن في غزة، ولن يتم أبدا شيء مما ذكرت بمبادرة من الغرب. 
ورغم ذلك، ليس لك الحق بثاثا التفكير في صحة نظرية المؤامرة. فكل ما هنالك هـو أن:

تماثيل بوذا الحجرية أعز وأجل عند الغرب من الأرواح البشرية. 





----------
* للأمانة: كان هناك شجب واستنكار لدى بعض الأفراد والمنظمات المستقلة خصـوصا تلك المعارضة للأنظمة الرأسمالية في الغرب. لكن حراكها لم يكن له أي تأثير ملمـوس على أرض الـواقع.





0 تعليقات :