بحث

27/04/2018

المقاطعة الإجتماعية وحادثة الثلاثة الذين خلّفوا



لعل أقسى أنواع المقاطعة..هي المقاطعة الإجتماعية..
تلك المقاطعة التي تعني أشخاصا بذواتهم بسبب اصطفافهم ضذ المصلحة الجماعية لمجتمعهم..

مثال ذلك..المقاطعة التي قام بها الرسول في حق ثلاثة من الصحابة مشهود لهم بالصلاح..لا لشيء سوى أنهم لم يحضرو معه حربا من حروبه ضد أعداء الإسلام..وقد أمر الرسول حينها أن يقاطع كل أفراد المجتمع هؤلاء الثلاثة بما في ذلك نساءهم اللواتي أُمِرن بعدم مخالطة أزواجهن..ولم تتوقف هذه المقاطعة عند حد المعاملة..بل تجاوزته لمنع مجرد الكلام مع المقاطَعين..

بإمكان البعض أن يبسّط القضية في هذا المثال ويفهم أن السبب وراء هذه المقاطعة كان شخصيا بين الرسول وهؤلاء الثلاثة بحكم عدم امتثالهم لأوامره بالإلتحاق بجيش المسلمين وكونه قائدا يفترض على أتباعه الإنصياع لأوامره..لكن حقيقة الأمر أن هؤلاء الثلاثة عرضوا أفراد مجتمعهم للخطر حين لم يشاركوا في حرب تدافع عن المصلحة الجماعية لهذا المجتمع..فعدم اكتراثهم للمصلحة الجماعية لمجتمعهم جعلهم عرضة للحرمان من عدة حقوق داخل نفس المجتمع..ثم إن مسألة السمع والطاعة للقائد منشؤها أن مهمته القيام بكل ما من شأنه الحفاظ على الحقوق الجماعية والفردية لأتباعه..وأن وجوب هذه الطاعة ينعدم بمجرد خروج القائد عن هذا الإطار.. وهذا موضوع آخر ليس هذا محله..

لم يتساهل الرسول في هذه النازلة مع الأشخاص المعنيين رغم صلاحهم المعترف به في محيطهم..ومرد ذلك في نظري يرجع إلى سد باب الذريعة في وجه كل من يتساهل أمور قد يعتبرها هو حرية شخصية ولكنها في الحقيقة تهدد المصلحة الجماعية للمجتمع في تماسكه وفي أمنه وسلمه..

محور هذه المقاطعة إذا هو  مسألة اصطفاف..سمها كما شئت: اصطفاف مع الحق أو الباطل.. مع أو ضد القانون.. مع أو ضد القيم المشتركة..مع أو ضد مصلحة "الوطن"

هذا النوع من المقاطعة له وقع كبير على المقاطِع أكثر من ذلك الذي يقع على المقاطَع..لأنها تتطلب من الشجاعة ما يكفي لوضع العلاقات الإنسانية (المعقدة التي تحكمها المشاعر) جانبا من أجل الإنتصار للقيم المتفق عليها في الميثاق الإجتماعي والتي تقنن العلاقات بين الأفراد وتحفظ حقوقهم داخل المنظومة الإجتماعية..

غالبية المسلمون ينفون وجوب وجوب هذا النوع من المقاطعة..ففي نظرهم لا يجب أن لا تتجاوز مقاطعة الأفراد ثلاثة أيام بناء على حديث "لا يحق لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث..."..هذا الحديث له سياقه الخاص..فهو ينظم العلاقات الفردية التي تحكمها المصالح الفردية بين شخصين بحيث يضع التماسك الإجتماعي كأولوية على حساب المصالح الفردية والأنا الشخصية..

إذا دققنا في الأمر جيدا..سنجد أن المقاطعة الإجتماعية الجماعية لها نفس الهدف..هو الحفاظ على التماسك الإجتماعي من خلال معاقبة كل من يهددون هذا التماسك ممن يسبقون مصالحهم الفردية على المصلحة الجماعية..

مجرد حدوث هذه الواقعة في عهد الرسول والتي تؤصل لعقوبة وردت في كتاب الله وفرضت فرض عين على كل المجتمع المسلمين يجعلها محلا للدراسة والتأمل بل والتطبيق الإجباري لها كلما استدعت الضرورة ذلك..

يتبع.. 

0 تعليقات :