بحث

27/07/2014

العدوان على غزة: آخر حرب شاركت فيها السعودية ليست غزوة بدر


 آخر حرب شاركت فيها السعودية ليست غزوة بدر 


بعد كل عامين..أصبح من المألوف أن تقوم إسرائيل بطقوسها الإرهابية الدموية التي تقدّم فيها أرواح أبرياء غزة قرابينا لمسيخِها القادم..فتشن عدوانا غاشما على مدينتهم  تبيد سكانها وتقضي على التلة القليلة من المقاومين لتجبُّرها..
ومع كل عدوان على هذه المدينة المحاصرة {حصار الشام} منذ أزيد من 7 سنوات..نبدأ كاعدتنا باتخاذ أي سلوك من شأنه أن يغطي على ضعفنا ويستر عجزنا عن إغاثة إخوتنا وأخواتنا في غزة.
فتجد مثلا، من يشرع في لعن إسرائيل وكل اليهود..ويتوعدهم بالقتل والحرق إن هو أمكن منهم..
وهناك من يستدير نحو الغرب "المتحضر"..الذي ما فتئ يعيب علينا تخلفَنا..ويفتخر بمكتسباته في مجالات الحرية والعدل وحقوق الإنسان وبمنظماته الإنسانية..فيصب عليه اللعنات جراء صمته تجاه ما يحدث في غزة من خروقات على مستوى تلك الحريات والحقوق..وعلى غظه الطرف عن جرائم الحرب التي تقترفها الدولة الإرهابية في حق شعب أعزل..مما نصّت عليه العديد من المعاهدات..
وتجد صنفا أخر يدّعي النجابة والذكاء..وأن بيده مفاتيح المعجزات..فيدعوا الناس ليومنوا بحلوله الإبدعاية لدعم غزة وأهلها: "فلنغير جميعا صورة البروفايل!" - "فلننظم وقفة احتجاجية" -"ولنهشتق جميعا من أجل غزة"..."لنظهر للعالم ما يحدث"..وكأن هذا الصنف لا يدري أن العالم كله يدري ما يقع في غزة..وأن العالم يعلم أن ذلك ظلم وهضم وسفك لدماء الأبرياء..وأن شعوب العالم كلها تتقطع من أجل غزة..إلا أن كل قادة العالم خضعوا بإرادتهم وأو بغير إرادتهم للهيمنة الصهيوينة..ناهيك عن أن لكل واحد من أولئك القادة في بلده أومنطقته صراع وشأن يغنيه.

 فرّق..تسد !

وهناك صنف لا يكف عن إلقاء اللوم على أصناف آخرين..يتهم مثلا شعوب ودول الشرق الأوسط بحكم قربهم وارتباطهم بالقضية الفلسطينية بتواطئهم وخيانتهم..فترد عليهم أصناف من تلك الشعوب أن حماس أم المصائب..وأنها منظمة إرهابية..ألم ترو أنها تستخدم أهل غزة دروعا بشرية؟؟
وهنا وهناك أصناف وأصناف..لا يتسع المقال لذكرها..منها المراقب والمتفرج واللامبالي والذي همّه أكبر من همّ غزة برمّتها..يريد المسكين أن يفطر علنا في رمضان دون أن يُجرَّم..إلى ما دون ذلك من الأصناف..

لكن صنفا آخر حيرني..لا أجزم أنه في النار..لكن من المحتمل كثيرا أن يصبح من أهلها..بفعل حصائد ألسنته..أو حصائد أصابعه إن صح التعبير..

وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم..إلا حصائد ألسنتهم

هذا الصنف..لا يضيع أي حدث كيفما كان ليبني عليه كتابة مسرحية ساخرة..فصولها افتراء ومشاهدها بهتان..لا لشيء سوى..أن يصبح هو نفسه الجمهور الذي سينفجر ضاحكا حين سيشاهدها..
هذا الصنف هو الذي يكتب وينشر مثل هذه الأقاويل:




آخر حرب شاركت فيها السعودية ليست غزوة بدر  


آخر حرب شاركت فيها السعودية ليست غزوة بدر  


ولا أجد بدا من هول هذا المثال إلا  أن أقف وقفة مع صاحبه.. 
فأن تَتَهَكم على السعودية أو أية دولة أخرى..وتحكي نكتا مضحكة بصددها..فذلك شأن يعنيك..
لكن..أن تستهزء بغزوة قادها سيد البشرية صلى الله عليه وسلم..وتحتقر وقعها وبطولاتها..فذلك شأن يهمنا جميعا..
لا..ليس هناك سوء فهم! 
فكلامك صريح يظهر مقارنتك لغزوة بدر العظيمة التي سماها الله تبارك وتعالى ب "يوم الفرقان"..بتلك الحروب الخيالية التي عودتك هوليود على الإنبهار والإحساس بالدونية أمام أطوارها..والتي لم تشارك فيها "السعودية" حسب قولك رغم ترسانتها الحربية العظيمة..
وهذا إن دل عن شيء فإنما يدل على أمرين إثنين: ذاكرتك الضعيفة..وجهلك المظلم بتاريخك وتاريخ أجدادك.

فبالنسبة لذاكرتك..فإن آخر حرب شاركت فيها السعودية..هي تلك التي شاركت فيها مع حلفائها..وأو بالأحرى مع كل العالم..ضد العراق..وهذه الحرب مضى عليها ثلاث وعشرون عاما تقريبا فقط..واستعملت هي وحلفاؤها من الأسلحة ما لم نره من ذي قبل حتى تلك الحرب..ومع ذلك فإن تلك الأحزاب التي تحزبت بحجة الدفاع عن دولة الكويت آنذاك..لم تستطع التغلب على جيش العراق رغم عددها وعدتها..ورغم أن بوسع أمريكا التي كانت مشاركة في تلك الحرب أن تنهي الحرب في بضع دقائق كما فعلت في اليابان إبان الحرب العالمية الثانية حين ألقت قنبلتين نوويتين على اثنتين من أهم مدنها فاستسلمت اليابان..لكن الرأي العام العالمي عام 1991 لم يكن مستعدا بعد لقبول تلك الجريمة في ذاك الوقت..مما جعل الأحزاب (الحلفاء) يتراجعون ويكتفون بحصار العراق إلى أن تم ترويض العالم في 11 سبتمبر 2001 على قبول أي شيء..كالذي نراه اليوم من تقتيل واحتلال في العديد من الدول بقيادة العالم الحر..
إن كنت تدري فتلك مصيبة - * - وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم

 أما جهلك للتاريخ فهو مركّب..
فبدايةً..لم تَعرف دولة السعودية الحالية الوجود إلا بالأمس القريب..في حدود العقد الأول من القرن العشرين..
ورأت النور في أكناف الخلافة الإسلامية..بعد أن تجرأ مؤسسوها على الخروج عن طاعة الخليفة العثماني والتحالف مع المستعمر الإنجليزي..والعجيب أن حكامها اليوم يجرّمون هذه السنة الحميدة التي سنّها أجدادهم..سنة الخروج  على الحاكم..بل يجرمون حتى حق مواطنيهم في الخروج للتظاهر والتعبير عن حقوقهم..وفي الوقت الذي نلوم فيه الآن النظام الفرنسي الموالي لإسرائيل على منعه لمسيرة تضامنية كان سيقوم بها الشعب الفرنسي لمساندة أهل غزة..ننسى أو نتناسى أن شعب السعودية..شعب الحرمين الشريفين..لم يخرج أصلا في أية مسيرة تضامنية مع شعب غزة..ولم يعبأ أحد بذلك!!

                   بشار الأسد يتحدث عن جزء من تاريخ الدولة السعـودية
                 


كما تدين..ستدان

ننتقل الآن إلى المصيبة التي أخشى عليك وعلى نفسي من نتائجها..
غزوة بدر التي تحتقرها..قادها الرجل الذي بلغك رسالة الرحمن وعلمك الصلاة والقرآن..وعرفك بربك الذي خلقك..إنه الرسول صلى الله عليه وسلم..ورافقه في تلك الغزوة عصابة من الرجال هم أفضل من طلعت عليهم الشمس من بني البشر بعد الأنبياء..لم يمنعهم عددهم القليل..313 رجلا..من الصمود على مبادئهم والتصدي لأعدائهم رغم كثرة هؤلاء ورغم عدّتهم..
قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: 

اللهم إن تَهْلِك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تًعبد في الأرض

نعم أيها الذكي..فبناء على السنن الكونية..لو هلكت تلك المجموعة من الأبطال ذلك اليوم..لما رُزِقنا الإسلام الذي نفتخر أنا وأنت الآن بانتمائنا إليه..ويتبرأ هو كل يـوم من تصرفاتنا التي نسيء بها إليه..
وقال فيهم أيضا:

لعل الله تعالى اطّلع على أهل بدر ..فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.

هكذا قال عنهم صلى الله عليه وسلم..أتعلم ماذا قال عنا نحن:

غثاء كغثاء السيل..ولينزعن الله من صدور عدوّكم المهابة مِنكم وليقذفن في قلوبكم الوهن..حب الدنيا وكراهية الموت.

لقد هبّ أولئك الرجال رغم قلتهم وقلة مواردهم..ولم يتوانوا للحظة في الدفاع عن نبيهم ومقدساتهم..ووقفوا وجها لوجه ضد عدوهم..فيما نحن الآن لسنا سوى مُعذِّرين محترفين..بحوزتنا قائمة من الأعذار نستخرجها عند الضرورة لنبرر بها تأخرنا وخيانتنا..شعارنا فيها "لَو"!..
أولئك الرجال أزيد من ثلثهم أنصارٌ من أهل يثرب..حلّ الرسول صلى الله عليه وسلم ضيفا عندهم  ومنحوه ما يعرف اليوم باللجوء السياسي..كانوا مستقرين في مدينتهم..لكل واحد منهم أعماله الخاصة..وجلهم أغنياء.. منهم التاجر والصانع والفلاح..وكلهم يعولون أُسَرهم..ومع ذلك لم يتخذوا ذلك كله ذريعة في التأخر عن نصرته ومحاربة أعدائه..بينما أنا وأنت نقف مكتوفي الأيدي أمام شراسة أعداء إخواننا في غزة..ونكتفي بمشاهدة إبادتهم  ومحو آثارهم..

الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قاد غزوة بدر التي تحتقرها..أخرجه قومه من أرضه وبيته لا لشيء إلا أنه جاء برسالة السماء السّلمية..ذلك النور الذي ينسف تلقائيا المعتقدات الفاسدة ويفضح الأنظمة المبنية على الباطل..لم يفرض عليهم رسالته.. بل قام بمخاطبة عقول الناس ودعوتهم إلى شيء واحد: السّلام.. فاستجاب له قلة من العقلاء الذين إقتنعوا بمنطقه..لكن زعماء الجاهلية لم يستسيغوا تلك الدعوة السِلميّة..فقرروا أن يسلبوا الرسول حريته في التعبير عن رسالته..ولم يكتفوا بذلك..بل عذبوا تلك القلة القليلة ممن إقتنع برسالته وصادروا أموالهم  وقتلوا بعضهم لرفضهم التخلي عن أفكارهم..نفس الشيء الذي يُفعل الآن بكل من يدعو في سلمية إلى تبني شريعة الإسلام كبديل للخروج من هذه الحلقة المفرغة من التخلف والتدهور الذي نتخبط فيه..مصيره الإعتقال..التعذيب..الخطف..الإغتيال..
ثم إنهم لتبرير صنيعهم هذا أمام قبائل العرب..ولكي يتمكنوا من تنفيذ خطتهم في تصفية الرسول جسديا دون أن تعيب عليهم العرب فعلهم.. قاموا بإلصاق جميع أنواع التهم به وبأتباعه..حتى أني أكاد أجزم أنهم اتهموه وأصحابه بتهمة "الإرهاب"..نفس التهمة التي ترمي بها إسرائيل وعملاؤها الآن كل من لا يركع لجبروتهم  وكل من سولت له نفسه الوقوف في طريق مخططاتهم..تلك البطاقة البيضاء التي يبررون بها تصفية كل من يقاوم جرائمهم أمام الرأي العام العالمي..

ما أشبه أمس باليوم..التاريخ يعيد نفسه..لكن لا نحن ولا أعداءنا نستفيد من دروسه

نظرتنا اليوم لجيش بدر المسلم لا تختلف كثيرا عن نظرة كل من حضارة الروم والفرس التي عايشته..نظرة احتقار وعجرفة..يرون بساطة عيشهم وركوبهم الجمال كمعيار للتخلف..لكن رقي ذلك الجيش ومن التحق به بعد ذلك ظهر للعيان بعد أن استطاع أن يركع تلك الحضارتين العظيمتين رغم تفوقهما ماديا وعسكريا في سنوات قليلة..واستطاع أن "يُعَولِمَ" طريقته البسيطة في العيش تلك..فأنشأ حضارة صلبة تمتد من المغرب والأندلس غربا..إلى الصين شرقا..يسافر فيها المواطن بدون تأشيرة ولا جواز.. ولم يستخدم في توسعه ذلك لا طائرات الإف 16 ولا البارجات البحرية ولا الصواريخ العابرة للقارات..ولم يثبت في حق ذلك الجيش المسلم افتراف أية جريمة انسانية أو تقتيل للمدنيين..

إفتقار أرواحنا وفراغها..لن يملأه الضحك على كل الشيء..أو الضحك من لا شيء..
في الوقت الذي أصبحنا فيه أضحوكة العالم..أصبحنا كذلك بؤساء لدرجة نختلق أي ذريعة للضحك حتى  ولو كان ذلك من خلال اختلاق ونشر نكت نُقحم فيها رموزنا ومقدساتنا..نكت نستهزئ فيها بآيات الله..بحلاله وحرامه..لا حدود تقف في طريقنا إلى متعة الضحك..ثم بعد ذلك نسُب أعداءنا ونلعنهم..ونختلق حدودا وهمية نمنع بها أنفسنا من مواجهتهم.
ولعل الشيء الوحيد الذي في نظري سيجعلنا نتوقف فجأة عن هذا الضحك المفرط..عندما تنتهي أعداؤنا من إبادة أخواننا الذين يُقتلون اليوم..ستفرغ لنا ويحين دورنا..ونعلم عندها أن لا أحد سيهُبّ لنجدتنا..
عندها فقط لن نضحك بعدها إلى الأبد..   

إنما أُكلتُ..يوم أُكل الثور الأبيض..








0 تعليقات :