بحث

22/09/2014

كاريكاتير: نظرية التطور الأونزيمية





باختصار، النظرية تفترض أن: 
تدهـور -التطور السلبي- المستـوى التعليمي لدى المتعلمين يتناسب اطرادا مع تطور طريقة حمل التلميذ لمحفظته خلال القرن الأخير. 

في البداية كان التلميذ يسمى طالبا يطلب العلم في الجامع، أو ما أصبح يصطلح عليه  في عصرنا المدرسة العتيقةيبتغي تحصيله بإرادته وعزيمته. وكان يعرف قيمة الكتب، فتجده يحملها بين يديه بعناية تامة واعيا ومدركا لما تحمله في طياتها من كنـوز ودرر تنير درب صاحبها وتخرجه من الظلامات إلى النـور. 
وكان الطالب يقدّر من يحمل العلم الذي تحتـويه تلك الكتب، فكان يتقرب من المعلِّم ويطلب منه قبـوله خادما ومتعلما ينهل من علمه، ويفرح أشد الفرح حين يحصل على مـوافقته، فيركض يُعِدّ وَضـوءه، ثم يقبل عليه بـوجدانه ليحصل على قليل من بركة العلم التي تملأ جنبات صدره.
وقد كان من السهل أن تُميِّز المُتعلِّم في محيطه، لأن آثار العلم تنعكس جليا من سمته وسلـوكه السـوي داخل مجتمعه. والمجتمع كذلك كان يبدي احتراما خاصا لطالب العلم، ومشاركة جميع أفراده في تمـويل نفقات طلاب العلم والجـوامع دليل صريح على ذلك. 

ظهرت المدرسة كبديل حديث ومعصرن للجامع المتخلف. وعلى العكس من هذا الأخير، أتت المدرسة بمفهـوم جديد للتعليم، من أبرز مظاهره، استبدال الملابس الضيقة بالملابس الفضفاضة كسلـوك متحضر للتلميذ، بالإضافة إلى إلزامه باقتناء وجلب الكتب المقررة التي سيدرسها عـوض تـوفيرها في المدرسة. فكان على التلميذ حمل الكتب والكراسات ذهابا وإيابا من البيت إلى المدرسة. 
وهنا ظهرت المحفظة!
بعضهم يسميها حقيبة، لكنها في الحقيقة محفظة تحافظ على الكتب والأقلام التي يحملها التلميذ من التلف.
وفي رأيي المتـواضع، أعتقد أن ظهـور المحفظة كان بذاته بداية لتدهـور التعليم. ولك الحق في الإختلاف مع هذا الرأي وعدم قبـوله. لكن الحقيقة أن حمل الكتب، نفس الكتب، يـوميا، ذهابا وإيابا عدة مرات بين البيت والمدرسة، جعل التلميذ ينظر إليها كعبء ثقيل. 
وللتخفيف من ذلك العبء، شرع صناع المحافظ يطورونها لتصبح أيسر حملا، وأكثر حجما لتسع كل المقررات الدراسية التي تضاعف عددها بتضاعف عدد المـواد المُدَرّسة، وتضاعف معها كذلك عدد الكراسات والأدوات اللازمة للتمدرس. 
وهكذا، أخذ شكل المحفظة وحجمها "يتطورويصبح أكثر أناقة وأسهل استعمالا، وتطورت بالمـوازاة معه طريقة حملها (أنظر الصـورة). وفي المقابل أخذ المستـوى التعليمي يتدهـور وتتهاوى معه مكانة الكتب في أعين وقلب التلميذ، لدرجة أنه بدأ يتنامى لديه شعـور متزايد للكراهية تجاهها، جعله يشمئز عند فتحها، ولا يقلب صفحاتها إلا إذا أُرغِم على ذلك. 
وبشكل غريب، تألقت مكانة هذه الكتب في أعين والدي التلميذ وذلك لسبب بسيط، كـونهما من يدفعان فـواتير شرائها بأمـوال طائلة في بداية كل عام دراسي. 


تفصيل للنظرية:
كان العلم يقدم ويتم إجلاله من طرف طالب العلم. لكن مع ظهـور الحداثة، أصبح العلم يرافق التلميذ يدا في يد داخل محفظته اليدوية وكأنها أصبحا متساويان في المكانة. 
بعد عقـود أصبح العلم يتأرجح في محفظة التلميذ التي أصبح يعلقها على كتفه. 
بعدها بعقـود تهقهر العلم ليصبح رديفا للتلميذ داخل محفظته التي يحملها على ظهره. وأصبحت نسبة من التلاميذ، كمثل الحمار يحمل أسفارا.
ثم كانت النكسة، حين تخلص التلميذ من عبء التعليم، فأصبح العلم بضاعة يجرها التلميذ على الأرض في محفظة تسير على عجلات.
كل هذا والتعليم يتدهور يوما بعد يوم.
في هذه الأيام، يمسك التلاميذ الألـواح "الذكية" ويتمَسّكـون بها وأصبح جلهم مدمنا عليها. ولعل ظهـور الألـواح من جديد سيجعل مصير المحفظة يؤول إلى الإنقراض. وعليه، فإن العلم المتجسد في الكتب سيلقى نفس المآل، فتصبح الكتب ملقاة على الأرض، لا يعبأ بها احد. ولا شك بعد ذلك أن التلميذ سيتـوقف عن الذهاب إلى المدرسة. وحظوظه ستزداد في ارتياد المستشفيات النفسية بشكل متكرر في المستقبل القريب.

مقارنة بين الجامع والمدرسة

الجامع أو المدرسة العتيقة
  • يـوفر للطالب خزانة من الكتب التي سيحتاجها، حسب طاقة خزانته وحسب مـوارده.
  • يتم بناؤه وتجهيزه وتمـويل خدماته واحتضان طلابه من طرف المحسنين وسكان المدينة 
  • يقدم العلم بمنطق التربية والتعاون
  • يقدم العلم من أجل العلم، لا من أجل العمل
  • يضع برنامجا شاملا لحياة الطالب، يجعله ذي قيمة مضافة أثناء الدراسة: يَدرُس ويدَرِّس ما تعلمه، يزاول أشغالا يـومية في خدمة الجامع وخدمة مرتاديه
  • يصنع أجيالا مسؤولة مُشربة بالتربية، متعددة التخصص، قابلة للتأقلم ومتأهبة لنشر العلم 

المدرسة: 
  • تتكلف الدولة ببنائها وتجهيزها وتمـويل خدماتها وأجـور مـوظفيها.
  • تكلف أمـوالا طائلة، لكن مـواردها دائما ما تكـون غير كافية! 
  • تقدم العلم بمنطق التنافس
  • تقدم العلم كاستثمار بهدف إمداد سـوق العمل بجيـوش من العبيد
  • تصنع أجيالا متخصصة، مشبعة بالمعلـومات، كسـولة تبحث عن الرفاهية، متذمرة من كل شيء، تصبح غير نافعة إذا خرجت عن مجال تخصصها  

 
ظهـور الحداثة يستـوجب الـوضـوء..مجرد دعابة!
مفاهيم الحداثة وحلـولها السحرية، ظاهرها التحضر، وباطنها البهيمية، وفقدان كل معاني الإنسانية.
أَغـوَت كل البشر للسعي إلى تحقيق مزيد من الرفاهية وتخفيف الأعباء اليـومية. 
فانهمكـوا يعملون ويكدون بدون توقف في سبيل ذلك حتى أصبحـوا مثل حمار الرحى.
يدور في مكانه!




0 تعليقات :